الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَمَا ابْتَغَى أَيْ مَا يَنْبَغِي وَالْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الظَّالِمَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ.الثَّانِي عَشَرَ: {مِنْ بَعْدِي} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ مِنْ دُونِي، وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي أَلْجَأَ الزَّمَخْشَرِيَّ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، فَإِنْ أَرَادَ بِدُونِ غَيْرٍ فَصَحِيحٌ؛ وَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَتَهَا فَيَرُدُّهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى بَعْدَ عَلَى ظَرْفِيَّتِهَا، وَيُرَادُ مِنْ بَعْدِ هِبَتِهِ لِي، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ لَهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهِ.وَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ دَعْوَةَ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَصْبَحَ مَوْثُوقًا تَلْعَبُ بِهِ صِبْيَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَلَعَلَّ الْمَانِعَ لَعِبُ صِبْيَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ دُونَ سُلَيْمَانَ أَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ.الثَّالِثَ عَشَرَ: قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو {مِنْ بَعْدِي} بِتَحْرِيكِ الْيَاءِ، وَأَسْكَنَهَا الْبَاقُونَ.الرَّابِعُ عَشَرَ: قوله: {إنَّك أَنْتَ الْوَهَّابُ} تَعْلِيلٌ لِسُؤَالِ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعْلِيلَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاقْتِضَاءُ أَنَّ الْمَفْتُوحَةِ التَّعْلِيلَ بِالْوَضْعِ لِتَقْدِيرِ اللَّامِ مَعَهَا، وَالْمَكْسُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا اقْتَضَتْ التَّعْلِيلَ مِنْ جِهَةِ الْإِيمَاءِ كَمَا فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ وَنَحْوِهِ.هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ وَالْأُصُولِيُّونَ أَطْلَقُوا كَوْنَ أَنَّ تُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنْ قِسْمِ الْإِيمَاءِ بَلْ مِنْ قِسْمِ النَّصِّ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ صَرِيحٌ؛ كَقَوْلِهِ الْعِلَّةُ كَذَا أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا وَالثَّانِي إدْخَالُ لَفْظٍ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَهُوَ اللَّامُ وَأَنَّ والْبَاءُ فَأَمَّا اللَّامُ وَإِنَّ فَصَحِيحَانِ يَقْتَضِيَانِ وَضْعًا ظَاهِرًا غَيْرَ قَطْعِيٍّ لِاحْتِمَالِهِمَا مَعْنًى آخَرَ وَأَمَّا أَنَّ الْمَفْتُوحَةُ فَكَذَلِكَ لِتَقْدِيرِ اللَّامِ مَعَهَا وَالْمُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ اللَّامُ لَا أَنَّ وَإِنَّ الْمَكْسُورَةُ فَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِتَأْكِيدِ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَمَّا كَوْنُهَا عِلَّةً لِمَا قَبْلَهَا فَلَيْسَ بِالْوَضْعِ، لَكِنَّهُ يُرْشِدُ إلَيْهِ الْكَلَامُ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِيمَاءِ.وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ.الْخَامِسُ عَشَرَ: خَتَمَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا الثَّنَاءِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، فَيُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي إذَا دَعَا بِشَيْءٍ أَنْ يَخْتِمَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ مُنَاسِبَةٍ لِمَا دَعَا بِهِ.السَّادِسَ عَشَرَ: قوله: {فَسَخَّرْنَا لَهُ} التَّسْخِيرُ التَّذْلِيلُ تَسْخِيرُهَا تَذْلِيلُهَا وَتَيْسِيرُهَا وَتَهْوِينًا لَهُ.السَّابِعُ عَشَرَ: قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيَاحَ} بِالْجَمْعِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ.الثَّامِنَ عَشَرَ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا هَاجَتْ الرِّيحُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» وَقِيلَ فِي شَرْحِهِ: إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لَا يُلَقَّحُ السَّحَابُ إلَّا مِنْ رِيَاحٍ مُخْتَلِفَةٍ يُرِيدُ لَفْظَ السَّحَابِ وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ مَجِيءُ الْجَمْعِ فِي آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَالْوَاحِدُ فِي قِصَصِ الْعَذَابِ كَ {الرِّيحِ الْعَقِيمِ} و{رِيحًا صَرْصَرًا} فَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ مَجِيئِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ.وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّيحَ الْمُسَخَّرَةَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَوَاعِيَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَتَسْيِيرِ جُيُوشِهِ وَحَمْلِهَا لِبِسَاطِهِ وَمَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ يُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَأَنْ تَتَّفِقَ حَرَكَتُهَا فِي السُّرْعَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرِ سُلَيْمَانَ وَلَا الرِّيَاحُ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ زَرْعٌ فَكَذَلِكَ جَاءَ الْإِفْرَادُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْعُمُومُ وَإِنَّمَا أُشِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْهُ لِلرَّحْمَةِ وَأُشِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْهُ لِلْعَذَابِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ.التَّاسِعَ عَشَرَ: {تَجْرِي} فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً تَفْسِيرَ نا مِنْ سَخَّرْنَا فَإِنْ جَعَلْنَاهَا حَالًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مُقَدَّرَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَوَّلَ التَّسْخِيرِ كَانَ قَبْلَ جَرْيِهَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فِي جَمِيعِ أَحْوَالهَا لِأَنَّهَا فِي مُدَّةِ جَرَيَانِهَا أَيْضًا مُسَخَّرَةٌ.الْعِشْرُونَ: {بِأَمْرِهِ} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا حَقِيقِيًّا بِقَوْلٍ وَيَكُونُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا أَرَادَ جَرْيَهَا إلَى جِهَةٍ قَالَ لَهَا ذَلِكَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَعَلَى هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ الْإِدْرَاكِ مَا تَفْهَمُ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَمْرِهِ إيَّاهَا يُحَرِّكُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرًا حَقِيقِيًّا بَلْ مَعْنَاهُ بِإِرَادَتِهِ وَعَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، فَمَتَى أَرَادَ جِهَةً جَرَتْ عَلَى حَسَبِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ.الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: عَلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ خَاطَبَهَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ هَلْ تَقُولُ إنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُكَلَّفَةً هَلْ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ رَكَّبَ فِيهَا الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ فِينَا أَوْ لَا؟ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ تَكْلِيفِ الْجَمَادِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا تَكُونَ مُكَلَّفَةً فِيهِ جَوَازُ حُسْنِ مُخَاطَبَةِ الْجَمَادِ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ.وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ كُلُّهَا تَأْتِي فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اُسْكُنْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْك إلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ}.الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: {رُخَاءً} حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي تَجْرِي فَهِيَ حَالٌ.الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: بَيْنَ {رُخَاءً} وَ{تَجْرِي} نَوْعٌ مِنْ الطِّبَاقِ لِأَنَّ الْجَرْيَ يَقْتَضِي الشِّدَّةَ وَالرُّخَاءُ يَقْتَضِي اللِّينَ وَكَوْنُ هَذِهِ تَجْرِي مَعَ اللِّينِ فِي غَايَةِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَلِذَلِكَ أَخَّرَ {رُخَاءً} عَنْ {تَجْرِي} وَلَوْ قَدَّمَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ حَالَةَ الْجَرْيِ.الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: {أَصَابَ} مَعْنَاهُ هُنَا أَرَادَ.حَكَى الْأَصْمَعِيُّ عَنْ الْعَرَبِ أَصَابَ الصَّوَابَ فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ وَعَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَصَدَاهُ أَنْ يَسْأَلَاهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَخَرَجَ إلَيْهَا فَقَالَ أَيْنَ تُصِيبَانِ؟ فَقَالَا: هَذِهِ طَلَبَتُنَا وَرَجَعَا.وَيُقَالُ أَصَابَ اللَّهُ بِك خَيْرًا.السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قوله: {حَيْثُ أَصَابَ} قَالُوا فِي تَفْسِيرِهِ حَيْثُ أَصَابَ حَيْثُ قَصَدَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَيْثُ انْتَهَى قَصْدُهُ مِنْ الْمَسِيرَةِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَى حَيْثُ قَصَدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ الْجَرْيِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ مِمَّنْ حِينَ قَصَدَ إلَيْهِ.وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَيْثُ وَجَدَ الْقَصْدَ، وَالْقَصْدُ مُسْتَمِرٌّ مِنْ أَوَّلِ الْجَرْيِ إلَى آخِرِهِ؛ وَهُوَ أَبْلُغُ، فَإِنَّهَا يَكُونُ جَرْيُهَا فِي كُلِّ مَكَان مَنُوطًا بِقَصْدِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ؛ بِخِلَافِ حَيْثُ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَمْكِنَةِ الْجَرْيِ.وَالْمَقْصُودُ مُخْتَلِفٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَقْصُودُ الْأَمْكِنَةُ، وَلَوْ قِيلَ مَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ الْجَرْيَ، وَذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْأَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ مُلَازِمًا لِلْإِرَادَةِ أَوْ لَا.فَجَاءَتْ الْآيَةُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِتَضَمُّنِهَا عُمُومَ الْأَمْكِنَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَعَلُّقِ الْقَصْدِ بِالْجَرْيِ بَلْ مَتَى قَصَدَ مَكَانًا جَرَتْ فِيهِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ.السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: تَسْخِيرُ الرِّيحِ بِيَدِهِ بِقوله: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} وَتَسْخِيرُ الشَّيَاطِينِ أَطْلَقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، بَلْ نَفْسُ تَسْخِيرِهِمْ مُعْجِزَةٌ، لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالشَّيْطَنَةِ، فَتَذْلِيلُهُمْ خَارِقُ الْعَادَةِ.الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} بَدَلٌ مِنْ الشَّيَاطِينِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلَ بَعْضٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرٍ، وَلَكَانَ الْمُسَخَّرُ بَعْضَ الشَّيَاطِينِ لَا كُلَّهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كَانُوا مُسَخَّرِينَ لَهُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَعْمَالِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَوْصِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَفْعَالِ، فَجَعَلَ هَذَانِ الْوَصْفَانِ لِلْجَمِيعِ؛ وَيَبْقَى فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ بَدَلَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ الشَّيَاطِينُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَالثَّانِي مَدْلُولُهُ كُلُّ فَرْدٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ إيَّاهُ؟التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قوله: {وَآخَرِينَ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطْفُ كُلٍّ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَهُوَ بَدَلُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ.الثَّلَاثُونَ: {مُقَرَّنِينَ} كَانَ يَقْرُنُ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ بَعْضَهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي الْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ لِلتَّأْدِيبِ وَالْكَفِّ عَنْ الْفَسَادِ.وَعَنْ السُّدِّيِّ كَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَعْنَاقِهِمْ مُغَلَّلِينَ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْيَدِ وَيَشُدُّ.الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: الْأَصْفَادُ جَمْعُ صَفَدٍ وَهُوَ الْقَيْدُ وَيُسَمَّى بِهِ الْعَطَاءُ كَمَا قِيلَ وَمَنْ وَجَدَ الْإِحْسَانَ قَيْدًا تَقَيَّدَا وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ قَالُوا صَفَدَهُ وَأَصْفَدَهُ أَعْطَاهُ كَ وَعَدَهُ وَأَوْعَدَهُ.الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْعَطَاءُ الْعَطِيَّةُ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى وَفِي تَصْوِيرِهِ حَاضِرًا وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِهَذَا وَإِضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَنُونَ الْوَاحِدِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ خِطَابًا مِنْهُ تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْعَطَاءِ.الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: {فَامْنُنْ} قِيلَ اُمْنُنْ عَلَى مَنْ شِئْت مِنْ الشَّيَاطِينِ أَوْ أَمْسِكْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ اُمْنُنْ أَيْ أَنْعِمْ وَهُوَ مِنْ الْمِنَّةِ أَيْ أَعْطِ مَنْ شِئْت مَا شِئْت أَوْ أَمْسِكْ فَوَّضَ إلَيْهِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا تَخْيِيرٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ فِي أَمْثِلَةِ التَّخْيِيرِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، لِأَنَّ قوله: {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ وَلَعَلَّهُ مِمَّا خَرَجَ فِيهِ اللَّفْظُ عَنْ مَعْنَى الْأَمْرِ إلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ، وَقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} أَمْرُ إبَاحَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ.الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقًا بِقوله: {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ} عَطَاؤُنَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} وُجُوهًا: أَحَدُهَا بِلَا حِسَابٍ عَلَيْك فِي ذَلِكَ وَلَا تَبَعَةٍ.الثَّانِي بِغَيْرِ حِسَابٍ مِنَّا كَثِيرًا لَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى حَسْبِهِ وَحَصْرِهِ.الثَّالِثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِك.فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْ الْمُحَاسَبَةِ وَالثَّالِثُ مِنْ الْحُسْبَانِ.السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} هَذَا مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ خَتَمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِالْقُرْبِ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ وَحُسْنِ الْمَآبِ.اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا ذَلِكَ بِنَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا انْتَهَى. اهـ.
|